هل الحدث اذكى من العقل

قد يكون للحدس أكثر من تعريف ..
لكن الحدس الذي أتحدث عنه هنا هو ذلك الشعور السريع الايجابي أو السلبي

الذي نشعر به تجاه شخص ما أو في ظرف ما دون أن نجد سببا منطقيا لهذا الشعور ..
مثلا :تلتقي شخصا ما أول مرة فتشعر منذ اللحظات الأولى

انك قد ارتحت له أو أنك لم ترتح له قبل أن تعرف أي شيء عن هذا الشخص ..
وقبل ان تجد سببا منطقيا لارتياحك أو عدم ارتياحك ....هذا هو الحدس


كيف يعمل الحدس ؟؟؟

الحدس يعمل بالطريقة التي تعمل بها اللوزة ..
واللوزة (AMYGDALA)هي منطقة في دماغ كل منا

وهي تسجل بالإضافة إلى الأحداث التي تمر بنا المشاعر المرافقة

لهذه الأحداث وتظل تلك المعلومات (الأحداث والمشاعر المرافقة )
مخزنة في هذه المنطقة دون أن نشعر بذلك أي أنها في المجال
الذي يطلق عليه علماء النفس العقل اللا واعي أو الباطن ...
وسنرى الآن كيف تعمل اللوزة عندما تلتقي شخصا وتشعر أنه مخادع منذ الثواني الأولى
ان الواحد منا يلتقي في حياته آلاف الناس

ومنهم الصادق والمخادع والطيب والخبيث

وهكذا تسجل اللوزة صور هؤلاء وتعابير وجوههم وأساليب حديثهم

كما تسجل المشاعر المرافقة لهذه الصور
فأنت ترتاح للإنسان الطيب والصادق

وتنزعج من الإنسان المخادع والكاذب ...
الآن عندما تلتقي شخصا مخادعا ..

سترسل عيناك وأذناك صورته وتعابير وجهه وأسلوب حديثه إلى اللوزة
وهنا تقوم اللوزة بالبحث عن صور وتعابير وأساليب مشابهة

فإذا حدث توافق بين صفاته وصفات مخادعين اخرين تعاملت معهم

ستثير اللوزة نفس المشاعر نفسها التي ثارت في نفسك سابقا

وهي مشاعر عدم الارتياح وسيتم ذلك خلال أجزاء من الثانية

دون أن تجد بعقلك الواعي سببا مقنعا لذلك تفسر فيه تلك المشاعر ..

السؤال الذي يطرح نفسه هنا :

هل يصدق الحدس دوما؟؟؟؟
السؤال يأتي جوابه من خلال تجربة قامت به جامعة هارفارد

فقد طلب مجموعة من الباحثين من اساتذة قدامى بتقييم أساتذة جدد مرشحين للتدريس

وإعطاء حدسهم بمستوى الاستاذ لحظة وقوفه أمام الطلاب
وبعد مراقبة أسلوبه طوال الدرس وتعبة مجموعة من البيانات الخاصة بالتقييم ..
.بالنهاية تبين حدوث توافق قي 80% من الحالات....

وفي دراسة جرت في أمريكا على 60 مديرا لمؤسسات يتراوح ربحها بين 2-4 مليون دولار سنويا ..
سئل هؤلاء المديرون عن استخدامهم للحدس في اتخاذ القرار

فأجاب 59 منهم إنهم يستخدمون الحدس دائما وواحد فقط لا يؤمن بالحدس أبدا ..



متى يخيب الحدس ؟؟؟
ذكرنا في تجربة هارفارد أن الحدس يخطا في 20% من الحالات

فما الأسباب التي تجعل الحدس خاطئا ؟؟؟؟
السبب الأول : أن مظاهر الآخرين قد لاتدل دائما على مخبرهم

فقد توحي ملامح شخص بالقسوة وهو في غاية الرحمة .
السبب الثاني :قد يخطئ الحدس عندما يخطئ الإنسان في قراءة مشاعره ,
فالحدس هو شعور يعتلج في النفس واذا كان الإنسان لا يعرف قراءة مشاعره

وتسميتها قد يختلط عليه الحدس بشعور اخر..
فالخوف الذي يشعر به الإنسان عند إقباله على مشروع تجاري جديد قد يربح وقد يخسر
هو شعور طبيعي ولا يعني أن هناك خلل في المشروع

وإذا فشل الإنسان في التفريق بين الخوف الطبيعي وبين الحدس
لن يقبل في حياته على مشروع تجاري ...


اذن ....
لا شك أن للعقل وللحسابات المنطقية الدور الأساسي في اتخاذ أي قرار
ولكن إذا وصل العقل إلى نوع من التوازي بين الايجابيات والسلبيات

التي يمكن أن تنجم عن قرار ما عندها يأتي الحدس ليرجح الكفة ويساعد الإنسان على اتخاذ القرار
كذلك إذا حدث تناقض بين الحدس والقرار العقلي

فان ذلك يدفع الإنسان إلى إعادة النظر في هذا القرار
وربما اكتشاف نواحي معينة لم ينتبه إليها وبالتالي يعد ل الإنسان عن قراره ,
أنا لا أدعو هنا إلى استبدال الحدس بالعقل

وإنما إلى الاستئناس بالحدس عند اتخاذ قرار وعدم تجاهل هذا الشعور ..
لقد أرشدنا الرسول الكريم(عليه الصلاة والسلام ) إلى استخدام الحدس في اتخاذ القرار..
فقال (يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك ثلاث مرات ,
البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر
وأن أفتاك الناس وأفتوك )
وقال أيضا (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فان الصدق طمأنينة وان الكذب ريبة )
واخبرنا عليه الصلاة والسلام عن قوة حدس المؤمن فقال (اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله)
ويبقى السؤال معلقا هل الحدس أذكى من العقل ؟؟؟؟